فن الأوبرا ليس فنا بعيدا عن تذوق الشرقيين أو المصريين خاصة، فالتاريخ المصري القديم مملوء بالنماذج الموسيقية المصاحبة بالأداء الدرامي والشعر، وعلى جدران المعابد نقشت تسجيلات رائعة للعديد من الاحتفالات المصرية القديمة والتي يظهر فيها مدى الاهتمام بفن الموسيقى والغناء والرقص، حتى إنهم اخترعوا العديد من الآلات الموسيقية عشقا للموسيقى، فنجد آلة الهارب الشهيرة التي أجريت عليها تطورات مختلفة حتى وصلت حاليا إلى آلة العود الشرقي.
ارتبطت قصة إنشاء الأوبرا القديمة ارتباطا وثيقا بافتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل الذي كان شغوفا بالفنون ولذلك سميت بالأوبرا الخديوية. ونتيجة حب الخديوي إسماعيل للفن الرفيع وشغفه به أراد أن تكون دار الأوبرا الخديوية تحفة معمارية لا تقل عن مثيلاتها فى العالم، فكلف المهندسين الإيطاليين افوسكانى وروسى بوضع تصميم لها يراعى فيه الدقة الفنية والروعة المعمارية، واهتم الخديوي إسماعيل بالزخارف والأبهة الفنية فاستعان بعدد من الرسامين والمثالين والمصورين لتزيين الأوبرا وتجميلها.
وقبل أن يتم البناء كان العاهل العظيم قد شرع يهيئ لداره الجديدة تراثا فنيا خالصا يشير أول ما يشير إلى ماضي مصر المجيد، فقد طلبت مارييت باشا من الخديوي اختيار قصة من صفحات التاريخ المصري القديم تصلح نواة مسرحية شعرية، و قد قام بنظم شعرها الشاعر الإيطالي جيالا نزوق وعهد الخديوي إسماعيل إلى الموسيقار فيردى بوضع موسيقاها الرفيعة، فكانت الأوبرا الخالدة "عايدة" بموضوعها الوطني المصري وأغانيها الجياشة وموسيقاها الرائعة من نتاج العبقريات الثلاث.
وتم افتتاح الأوبرا الخديوية في الأول من نوفمبر 1869 مع احتفالات قناة السويس وعلى الرغم من اهتمام الخديوي إسماعيل ورغبته الأكيدة في أن تفتتح دار الأوبرا الخديوية بعرض أوبرا عايدة حالت الظروف دون تقديمها في موعد الافتتاح وتم افتتاح الأوبرا الخديوية بعرض ريجوليتو.
اعتبرت الأوبرا القديمة هي الأولى في قارة أفريقيا واعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا وفخامة. وفى فجر الثامن والعشرين من أكتوبر 1971 احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بالكامل ولم يتبق منها سوى تمثالي "الرخاء" و"نهضة الفنون" وهما من عمل الفنان محمد حسن.
لم يقتصر المركز الثقافي القومي على تقديم الفنون الرفيعة ولكنه صار مركزا ثقافيا تنويريا له استراتيجية وخطة ذات ملامح واضحة، يقدم ما يتناسب مع أهدافه فى بناء الفن القومى وتطوره وبلورته، كما أنه يسهم بوضوح فى بناء ونماء الإنسان المصرى والعربى من خلال التعليم والثقيف والإبداع.
وينتهج المركز الثقافى القومى سياسة التنوع والتجديد والتشجيع لرسم ملامح الثقافة المصرية الجديدة وقد عمل المركز جاهدا فى سبيل استمرار التواصل الثقافى القومى والعالمى فجمع بين العروض العالمية والموسيقية والفنية وبين جذور الفن الشعبى والتراثى، كما اهتم بتشجيع الشباب الواعى فوضعه بجوار كبار الفنانين الموسيقيين العالميين، وأتاح الفرصة للجميع فى إطار الفهم العميق لرسالته الثقافية ومضمونه الفنى والإنساني.
وإيمانا من المركز الثقافى القومى بأن العمل ذاته هو الذى يفرز الإيجابيات والسلبيات، أستطاع أن يطور أشياء ويتلافى أخطاء سابقة . كما أنه يهتم بتقديم العروض العالمية والمصرية على خشبة مسرحه الكبير ويمارس جهوداً فعالة فى تحقيق الرؤية التى يتبناها المركز فى صياغة الوعى وتنشيط الفكر الثقافى ،كما يقيم المركز على المسرح الصغير الندوات واللقاءات الثقافية والحفلات الموسيقية المتنوعة التى تقدم بشكل منتظم ضمن خطة مستقرة واضحة المعالم والأهداف والتنوع مشتملة على جميع التيارات الفكرية والفنية بدءاً من اللقاءات والحوارات وصولا إلى العروض الفنية. كما تقوم دار الأوبرا بأرسال الفرق الفنية فى جولات فنية بمحافظات مصر المختلفة لإتاحة الفرصة لجمهور الأقاليم لمشاهدة تلك الإبداعات العالمية والمحلية والفنون الرفيعة.
ولهذا فإن الهدف من وجود المركز الثقافى القومى هو أن يكون بحق جامعة مفتوحة لكل المثقفين إلى جانب اكتشاف المواهب الشابة فى مختلف مجالات الفنون.